فارسة الظلام
عدد المساهمات : 114 تاريخ التسجيل : 15/09/2011
| | لاتحزن للشيخ عائض القرني[3] | |
قضاء وقدر
﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾ ، جفَّ القلمُ ، رُفعتِ الصحفُ ، قضي الأمرُ ، كتبت المقادير ، ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا ﴾ ، ما أصابك لم يكنْ لِيُخطئِك ، وما أخطأكَ لم يكنْ لِيُصيِبك .
إن هذه العقيدة إذا رسختْ في نفسك وقرَّت في ضميرِك صارتْ البليةُ عطيةً ، والمِحْنةُ مِنْحةً ، وكلُّ الوقائع جوائز وأوسمةً ((ومن يُرِدِ اللهُ به خيراً يُصِبْ منه)) فلا يصيبُك قلقٌ من مرضٍ أو موتِ قريبٍ ، أو خسارةٍ ماليةٍ ، أو احتراقِ بيتٍ ، فإنَّ الباري قد قدَّر والقضاءُ قد حلَّ ، والاختيارُ هكذا ، والخيرةُ للهِ ، والأجرُ حصل ، والذنبُ كُفِّر .هنيئاً لأهلِ المصائب صبرهم ورضاهم عن الآخذِ ، المعطي ، القابضِ ، الباسط ، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ .
ولن تهدأ أعصابُك وتسكن بلابلُ نفسِك ، وتذْهب وساوسُ صدْرِك حتى تؤمن بالقضاءِ والقدرِ ، جفَّ القلمُ بما أنت لاقٍ فلا تذهبْ نفسُك حسراتٍ ، لا تظنُّ أنه كان بوسعِك إيقافُ الجدار أن ينهار ، وحبْسُ الماءِ أنْ ينْسكِبُ ، ومَنْعُ الريحِ أن تهبُّ ، وحفظُ الزجاج أن ينكسر ، هذا ليس بصحيحٍ على رغمي ورغمك ، وسوف يقعُ المقدورُ ، وينْفُذُ القضاءُ ، ويحِلُّ المكتوبُ ﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ .
استسلمْ للقدر قبْل أن تطوّق بجيش السُّخْط والتذمُّر والعويل ، اعترفْ بالقضاءِ قبْل أن يدهمك سيْلُ النَّدمِ ، إذاً فليهدأ بالُك إذا فعلت الأسباب ، وبذلت الحِيل ، ثم وقع ما كنت تحذرُ ، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ، ولا تقُلْ ((لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ، ولكن قُلْ : قدَّر اللهُ وما شاء فعلْ)) .
﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾
يا إنسانُ بعد الجوع شبعٌ ، وبعْدَ الظَّمأ ريٌّ ، وبعْدَ السَّهرِ نوْمٌ ، وبعْدَ المرض عافيةٌ ، سوف يصلُ الغائبُ ، ويهتدي الضالُّ ، ويُفكُّ العاني ، وينقشعُ الظلامُ ﴿ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ ﴾ .
بشَّر الليل بصبح صادق يطاردُهُ على رؤِوسِ الجبال ، ومسارب الأوديةِ ، بشِّر المهمومَ بِفرجٍ مفاجئ يصِلُ في سرعةِ الضَّوْءِ ، ولمُحِ البصرِ ، بشِّرِ المنكوب بلطف خفيٍّ ، وكفٍ حانيةٍ وادعةٍ .
إذا رأيت الصحراء تمتدُّ وتمتدُّ ، فاعلم أنَّ وراءها رياضاً خضراء وارفةّ الظِّلالِ.
إذا رأيت الحِبْل يشتدُّ ويشتدُّ ، فاعلمْ أنه سوف يَنْقطُعِ .
مع الدمعةِ بسمةٌ ، ومع الخوفِ أمْنٌ ، ومع الفَزَعِ سكينةٌ .
النارُ لا تحرقُ إبراهيم الخليلِ ، لأنَّ الرعايةَ الربانيَّة فَتَحتْ نَافِذَةَ ﴿ بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ .
البحرُ لا يُغْرِقُ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ ، لأنَّ الصَّوْتَ القويَّ الصادق نَطَقَ بـ ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
المعصومُ في الغارِ بشَّرَ صاحِبهُ بأنه وحْدَهْ جلَّ في عُلاهُ معنا ؛ فنزل الأمْنُ والفتُح والسكينة .
إن عبيد ساعاتِهم الراهنةِ ، وأرِقّاءَ ظروفِهِمُ القاتمةِ لا يرَوْنَ إلاَّ النَّكَدَ والضِّيقَ والتَّعاسةَ ، لأنهم لا ينظرون إلاَّ إلى جدار الغرفةِ وباب الدَّارِ فَحَسْبُ. ألا فلْيَمُدُّوا أبصارَهُمْ وراء الحُجُبِ وليُطْلِقُوا أعنة أفكارِهِمْ إلى ما وراء الأسوارِ.
إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المُحالِ دوامُ الحالِ ، وأفضلُ العبادِة انتظارُ الفرجِ ، الأيامُ دُولٌ ، والدهرُ قُلّبٌ ، والليالي حُبَالى ، والغيبُ مستورٌ ، والحكيمُ كلَّ يوم هو في شأنٍ ، ولعلَّ الله يُحْدِثُ بعد ذلك أمراً ، وإن مع العُسْرِ يُسْراً ، إن مع العُسْرِ يُسْراً .
اصنع من الليمون شراباً حلواً
الذكيُّ الأريبُ يحوّلُ الخسائر إلى أرباحٍ ، والجاهلُ الرِّعْديِدُ يجعلُ المصيبة مصيبتينِ.
طُرِدَ الرسولُ r من مكةَ فأقامَ في المدينةِ دولةً ملأتْ سمْع التاريخِ وبصرهُ .
سُجن أحمدُ بنُ حَنْبَلَ وجلد ، فصار إمام السنة ، وحُبس ابنُ تيمية فأُخْرِج من حبسهِ علماً جماً ، ووُضع السرخسيُّ في قعْرِ بئْرٍ معطلةٍ فأخرج عشرين مجلداً في الفِقْهِ ، وأقعد ابن الأثيرِ فصنّفَ جامع الأصول والنهاية من أشهرِ وأنفعِ كتبِ الحديثِ ، ونُفي ابنُ الجوزي من بغداد ، فجوَّد القراءاتِ السبعِ ، وأصابتْ حمى الموتِ مالك بن الريبِ فأرسل للعالمين قصيدتهُ الرائعة الذائعة التي تعدِلُ دواوين شعراءِ الدولةِ العباسيةِ ، ومات أبناءُ أبي ذؤيب الهذلي فرثاهمْ بإلياذة أنْصت لها الدهرُ ، وذُهِل منها الجمهورُ ، وصفَّق لها التاريخُ .
إذا داهمتك داهيةٌ فانظرْ في الجانبِ المشرِقِ منها ، وإذا ناولك أحدُهمْ كوب ليمونٍ فأضفْ إليهِ حِفْنَةً من سُكَّر ، وإذا أهدى لك ثعباناً فخذْ جلْدَهُ الثمين واتركْ باقيه ، وإذا لدغتْك عقربٌ فاعلم أنه مصلٌ واقٍ ومناعةٌ حصينة ضد سُمِّ الحياتِ .
تكيَّف في ظرفكِ القاسي ، لتخرج لنا منهُ زهْراً وورْداً وياسميناً ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ .
سجنتْ فرنسا قبل ثورتِها العارمةِ شاعرْين مجيديْنِ متفائلاً ومتشائماً فأخرجا رأسيْهما من نافذةِ السجنِ . فأما المتفائلُ فنظر نظرةٌ في النجومِ فضحك. وأما المتشائمٌ فنظر إلى الطينِ في الشارعِ المجاور فبكى. انظرْ إلى الوجه الآخر للمأساةِ ، لأن الشرَّ المحْض ليس موجوداً ؛ بل هناك خيرٌ ومَكْسبٌ وفَتْحٌ وأجْرٌ .
﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾
من الذي يفْزعُ إليه المكروبُ ، ويستغيثُ به المنكوبً ، وتصمدُ إليه الكائناتُ ، وتسألهُ المخلوقاتُ ، وتلهجُ بذكِرِه الألسُنُ وتُؤَلِّهُهُ القلوب ؟ إنه اللهُ لا إله إلاَّ هو.
وحقٌ عليَّ وعليك أن ندعوهُ في الشدةِ والرَّخاءِ والسَّراءِ والضَّراءِ ، ونفزعُ إليه في المُلِمَّاتِ ونتوسّلُ إليه في الكرباتِ وننطرحُ على عتباتِ بابهِ سائلين باكين ضارعين منيبين ، حينها يأتي مددُهْ ويصِلُ عوْنُه ، ويُسْرعٌ فرجُهُ ويَحُلَّ فتْحُهُ ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ فينجي الغريق ويردُّ الغائب ويعافي المبتلي وينصرُ المظلوم ويهْدِي الضالَّ ويشفي المريض ويفرّجُ عن المكروبِ ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ .
ولن أسْرُد عليك هنا أدعية إزاحةِ الهمِ والغمِ والحزنِ والكربِ ، ولكن أُحيلُك إلى كُتُبِ السُّنَّةِ لتتعلم شريف الخطابِ معه ؛ فتناجيهِ وتناديهِ وتدعوهُ وترجوه، فإن وجدْتهُ وجدْت كلَّ شيءٍ ، وإن فقدت الإيمان به فقدت كلَّ شيء ، إن دعاءك ربَّك عبادةٌ أخرى ، وطاعةٌ عظمى ثانيةٌ فوق حصولِ المطلوبِ ، وإن عبداً يجيدُ فنَّ الدعاءِ حريٌّ أن لا يهتمَّ ولا يغتمَّ ولا يقلق كل الحبال تتصرّم إلاَّ حبلُه كلُّ الأبوابِ توصدُ إلاَّ بابهُ وهو قريبٌ سميعٌ مجيبٌ ، يجيب المضطرَّ إذا دعاه يأمُرُك- وأنت الفقيرُ الضعيفُ المحتاجُ ، وهو الغنيُّ القويُّ الواحدُ الماجدُ - بأن تدعوه ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ إذا نزلتْ بك النوازلُ ، وألَمَََََّتْ بك الخطوبُ فالْهجْ بذكرِهِ ، واهتفْ باسمِهِ ، واطلبْ مددهُ واسألْه فتْحهُ ونصْرَهُ ، مرِّغِ الجبين لتقديسِ اسمِهِ ، لتحصل على تاج الحريَّةِ ، وأرغم الأنْف في طين عبوديتِهِ لتحوز وِسام النجاةِ ، مدَّ يديْك ، ارفع كفَّيْكَ ، أطلقْ لسانك ، أكثرْ من طلبِهِ ، بالغْ في سؤالِهِ ، ألحَّ عليه ، الزمْ بابهُ ، انتظرْ لُطْفُه ، ترقبْ فتْحهُ ، أشْدُ باسمِهِ ، أحسنْ ظنَّك فيه ، انقطعْ إليه ، تبتَّلْ إليه تبتيلاً حتى تسعد وتُفْلِحَ .
وليسعك بيتك
العُزْلةُ الشرعيَّةُ السنيَّةُ : بُعْدُك عن الشرِّ وأهلِهِ ، والفارغين َواللاهين والفوضويين ، فيجتمعُ عليك شملُك ، ويهدأ بالُك ، ويرتاحُ خاطرُك ، ويجودُ ذهنُك بِدُررِ الحِكم ، ويسرحُ طرفُكَ في بستانِ ا لمعارفِ.
إن العزلة عن كلِّ ما يشغلُ عن الخيرِ والطاعةِ دواءٌ عزيزٌ جرَّبهٌ أطباءُ القلوبِ فنجح أيَّما نجاحٍ ، وأنا أدُّلك عليهِ ، في العزلةِ عن الشرِّ واللّغوِ وعن الدهماءِ تلقيحٌ للفِكْر ، وإقامةٌ لناموسِ الخشيةِ ، واحتفالٌ بمولدِ الإنابةِ والتذكرِ ، وإنما كان الاجتماعُ المحمودُ والاختلاطُ الممدوحُ في الصلواتِ والجُمَعِ ومجالسِ العِلْمِ والتعاونِ على الخيْرِ ، أما مجالسُ البطالةِ والعطالةِ فحذارِ حذارِ ، اهربْ بجلدِك ، ابكِ على خطيئتك ، وأمسكْ عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، الاختلاط الهمجي حرب شعواء على النفس ، وتهديد خطير لدنيا الأمنِ والاستقرارِ في نفسك ، لأنك تجالسُ أساطين الشائعاتِ ، وأبطال الأراجيفِ، وأساتذة التبشير بالفتن والكوارث والمحن، حتى تموت كلَّ يومٍ سَبْعَ مراتٍ قبل أن يصلك الموتُ ﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً﴾ .
إذاً فرجائي الوحيدُ إقبالك على شانِك والانزواءُ في غرفتِك إلاَّ من قولِ خيرٍ أو فعلِ خيرٍ ، حينها تجدُ قلبك عاد إليك ، فسلمَ وقتُك من الضياعٍ ، وعمرُك من الإهدارِ ، ولسانُك من الغيبةِ ، وقلبُك من القلقِ ، وأذنُك من الخنا ونفسُك من سوءِ الظنِ ، ومن جرَّب عَرَفَ ، ومن أركب نفسه مطايا الأوهامِ ، واسترسل مع العوامِ فقلْ عليه السلامُ .
العوض من الله
لا يسلبك الله شيئا إلاَّ عوَّضك خيراً منه ، إذا صبرْتَ واحْتَسَبْتَ ((منْ أخذتُ حبيبتيه فصبر عوَّضتُه منهما الجنة)) يعني عينيه ((من سلبتُ صفيَّهُ من أهل الدنيا ثم احتسب عوَّضْتُهُ من الجنَّة)) من فقد ابنه وصبر بُني له بَيْتُ الحمدِ في الخُلْدِ ، وقِسْ على هذا المنوالِ فإن هذا مجردُ مثال .
فلا تأسفْ على مصيبة فان الذي قدّرها عنده جنةٌ وثوابٌ وعِوضٌ وأجرٌ عظيمٌ .
إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوِّهُ بهم في الفِرْدوْسِ ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ .
وحق علينا أن ننظر في عِوض المصيبةِ وفي ثوابها وفي خلفها الخيِّر ﴿ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ هنيئاً للمصابين ، بشرى للمنكوبين.
إن عُمْر الدنيا قصيرٌ وكنزُها حقيرٌ ، والآخرةُ خيرٌ وأبقى فمن أُصيب هنا كُوفِئ هناك ، ومن تعب هنا ارتاح هناك ، أما المتعلقون بالدُّنيا العاشقون لها الراكنون إليها ، فأشدَّ ما على قلوبهم فوت حظوظُهم منها وتنغيصُ راحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظُمً عليهمُ المصائبُ وتكبرُ عندهمُ النكباتُ ؛ لأنهمْ ينظرون تحت أقدامِهم فلا يرون إلاَّ الدُّنيا الفانية الزهيدة الرخيصة.
أيها المصابون ما فات شيءٌ وأنتمُ الرابحون ، فقد بعث لكمْ برسالةٍ بين أسطرها لُطْفٌ وعطْفٌ وثوابٌ وحُسنُ اختيار. إن على المصابِ الذي ضرب عليه سرادقُ المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ ، وما عند اللهِ خيرٌ وأبقى وأهنأ وأمرأُ وأجلُّ وأعلى .
الإيمان هو الحياة
الأشقياءُ بكلِّ معاني الشقاءِ همُ المفلسون من كنوزِ الإيمانِ ، ومن رصيدِ اليقينِ ، فهمْ أبداً في تعاسةٍ وغضبٍ ومهانةٍ وذلَّةٍ ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ .
لا يُسعدُ النفس ويزكّيها ويطهرُها ويفرحُها ويذهبُ غمَّها وهمّها وقلقها إلاَّ الإيمانُ بالله ربِّ العالمين ، لا طعم للحياةِ أصلاً إلاَّ بالإيمانِ .
إنَّ الطريقة المثلى للملاحدةِ إن لم يؤمنوا أن ينتحرُوا ليريحُوا أنفسهم من هذه الآصارِ والأغلالِ والظلماتِ والدواهي ، يا لها منْ حياةِ تاعِسة بلا إيمان ، يا لها منْ لعنةٍ أبديةٍ حاقتْ بالخارجين على منهج الله في الأرض ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ وقد آن الأوانُ للعالمِ أن يقتنع كلَّ القناعة ، وأن يؤمن كلَّ الإيمانِ بأنَّ لا إله إلا الله بعْدَ تجربةٍ طويلةٍ شاقةٍ عبْرَ قُرونٍ غابرةٍ توصَّل بعدها العقْلُ إلى أن الصنم خرافةٌ والكفر لعنةٌ ، والإلحاد كِذْبةٌ وأنّ الرُّسُلَ صادقون ، وأنّ الله حقٌّ له الملكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٌ .
وبقدرِ إيمانِك قوةً وضعفاً ، حرارةً وبرودةً ، تكون سعادتُك وراحتُك وطمأنينتُك .
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ وهذه الحياةُ الطيبةُ هي استقرارُ نفوسِهم لَحُسْنِ موعودِ ربِّهم ، وثباتُ قلوبِهم بحبِّ باريهم ، وطهارةُ ضمائرِهم من أوضارِ الانحرافِ ، وبرودُ أعصابِهِم أمام الحوادثِ ، وسكينةُ قلوبِهم عندْ وقْعِ القضاءِ ، ورضاهم في مواطن القدر ، لأنهم رضُوا باللهِ ربّاً وبالإسلام ديِناً ، وبمحمَّدٍ r نبياً ورسولاً .
| |
|